تحليل المرسوم التشريعي السوري رقم ١٦ بشأن وزارة الأوقاف
غسان قاضي
حرصاً مني على توضيح أمور تتعلق بسلامة و أمن سوريا كما عهدت منذ ابتداء الحرب، صار لزاماً علي إلقاء بعض الضوء على المرسوم التشريعي المتعلق بوزارة الأوقاف السورية.
المرسوم المذكور يعرف بإسم
المرسوم التشريعي رقم ١٦. و على عكس ما يُشاع عن كونه صادر من وزارة الأوقاف، فهو بالفعل
صادر من رئاسة الجمهورية و يحمل في صفحته توقيع الرئيس بشار الأسد.
يحتوي المرسوم ٣٧ صفحة و
يتألف من ٧ أبواب تحتوي ١١٥ مادة. و فيما يلي موجز للبنود و المواد التي تثير جدل اليوم.
الباب الأول يحتوي مادة واحدة، و هو عبارة عن سلسلة من التعاريف تتعلق بوزارة الأوقاف.
الباب الثاني هو تحت عنوان
"تحديد مهام الوزارة واختصاصات الوزير" و يتألف من فصلين.
الفصل الأول المادة ٢ تتعلق
"بالتوجيه و الإرشاد الديني" و تعطي الوزارة مهمة "الإشراف على الأنشطة
الدينية ... محاربة الفكر الديني المتطرف...و "حماية الوحدة الوطنية من مخاطر
هذا الفكر و تجفيف منابعه... كالوهابية و تنظيم الأخوان و ما يماثلها". كما تدعو
إلى "تطوير التعليم الشرعي...و ذلك بهدف إعدادنخبة من علماء الدين ....(الذين)
يقدمون البديل المناسب عن التطرف و الأفكار المنحرفة و التكفيرية.....و التأكيد على
احترام الأديان الأخرى كافة و إذكاء روح التجانس بين أبناء الوطن".
كما تنص المادة نفسها "إلى التوجيه الديني السليم (الإسلام كما أنزله
الله تعالى) و إصلاح منابع الخطاب الديني....و الإشراف على معاهد الأسد لتحفيظ القرآن
و تفسيره...و الإشراف على الشؤون الدينية النسائية...و الرقابة على البرامج الخاصة
بالعمل الديني في وسائل الإعلام كافة... بالتنسيق مع الوزارات المعنية" و
"إقامة المؤتمرات و الندوات ...و المشاركة في المناسبات الدينية للأديان الأخرى".
الفصل الثاني من الباب الأول
يحدد إختصاصات الوزير و يوضح أنه "المرجع الأعلى للوزارة وله حق التوجيه للعاملين
فيها و المكلفين بالعمل الديني...و قبول الهبات....وهو عاقد النفقة و آمر التصفية و
الصرف لنفقات الوزارة".
الباب الثالث يتضمن ٩ فصول. يحدد الفصل الأول في المادة ٦ من المرسوم ماهية
"المجلس العلمي الفقهي الأعلى" المراد إنشاؤه و الذي يرأسه وزير الأوقاف
و يكون مفتي الجمهورية فيه عضواً إلى جانب ٣٦ عضواً، خمسة منهم نساء يُسمون، من قبل الوزير. و تحدد المادة ٧ من
المرسوم أنه "يضاف إلى عضوية المجلس ممثلون عن الطوائف المسيحية كافة، تتم تسميتهم
من قبل البطاركة عند مناقشة المسائل المشتركة بين الأديان و ما يتعلق بتعزيز الوحدة
الوطنية ... وتتخذ القرارات بالتصويت بإجماع الأعضاء الحاضرين و في حال تساوي الأصوات
يرجح جانب الرئيس (أي الوزير )."
و تحدد مادة (٨ د) أن من
مهام المجلس العلمي الفقهي الأعلى "متابعة ما يصدر من فتاوى و أحكام شرعية و مدى
تأثيرها على حياة الناس، بحيث تكون محافظة على ثوابت الدين، و محترمة للعقل، و منسجمة
مع الواقع". و تحت مادة (٨ و) "تكريس علاقة المودة و تعميق جذور المواطنة
بين المسلمين و المسيحيين و محاربة ظواهر التفرقة تحت شعار الدين".
الباب الثالث الفصل الثاني
يحدد في المادة ٩ أن "مرتكزات الخطاب الديني" هي "التحليل بدل من التلقين"
و أن "الإنتماء إلى الإسلام لا يتعارض مع الإنتماء إلى الوطن و المواطنة...و التركيز
على الجانب الأخلاقي في الدعوة... و العمق في فهم النصوص... و نشر ثقافة الإعتدال...
و اعتماد أسلوب الحوار.. و الإنتماء للإسلام
و ليس للمذهب....و العمل على تصحيح المفاهيم و المصطلحات ... و التوعية ضد الخرافات
و الأفكار المنحرفة .... و احترام حقوق الإنسان".
المادة ١٠ تتعلق بالعقوبات
الواجب إتخاذها إزاء المخالفين للتعاليم الآنفة الذكر.
الباب الثالث الفصل الثالث
يحدد "شروط و أصول التكليف بالعمل الديني الإسلامي" و الفصل الرابع يحدد
"الواجبات و المحظورات على المكلفين بالعمل الديني" و الفصل الخامس هو فصل
"العقوبات التأديبية" الواجب اتخاذها ضد المكلفين بالعمل الديني في حال شذوذهم
عن الثوابت الوطنية و الأخلاقية و ما شابه. و الفصل السادس يتعلق بالإجازات ، و السابع
بالبدلات النقدية، و الثامن بانتهاء خدمة المكلفين بالعمل الديني.
الباب الثالث الفصل التاسع
المادة (المادة٣٧ أ) تحدد أن "يسمى المفتي العام للجمهورية العربية السورية و
تحدد مهامه و اختصاصاته بمرسوم بناء على اقتراح الوزير لمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد
بمرسوم".
أما الباب الرابع فيتعلق
بتنظيم التعليم الشرعي و الجدير بالذكر أن المادة ٤٢ تحدد "على ألا يقل عدد ساعات
المواد الكونية عن نصف عدد ساعات المواد الشرعية"
و الباب الخامس الفصل الأول
مالي و يحمل عنوان "تنمية عقارات الأوقاف و استثمارها". الجدير بالذكر فيه
هو الدعوة لتشكيل "مجلس الأوقاف الأعلى" و يرأسه الوزير و خبراء مدنيون.
أما الفصل الثاني من الباب
الخامس فهو إداري تحت عنوان "إدارة الأوقاف" و جميع مواده و بنوده تتعلق
بالأمور الإدارية و القضائية. و الفصل الثالث تحت عنوان "أصول استبدال العقارات
الوقفية"، و الرابع يبند "أحكام
إيجار و استثمار العقارات الوقفية".
الباب السادس هو أيضاً إداري
فني بعنوان "مديريات و شعب الأوقاف في الوحدات الإدارية". أما الباب السابع و الأخير فيتعلق بالأحكام الختامية.
ما يلفت النظر فيه هو المادة ١١٠ و التي نرى فيها أن المرسوم "يحظر ارتداء الكساء
الديني الإسلامي أو استخدام الصفات و الألقاب الدينية الإسلامية من غير الأشخاص المؤهلين
الرخص لهم بذلك وفق التعليمات التي تصدر بقرار من الوزير".
هذا هو ما يحتويه المرسوم
سياسياً و دينياً و تشريعياً. اخترت هذا المنحى بغاية التركيز على ردود الفعل التي
نراها اليوم.
صحيح أني لا أر في المرسوم
ما يتطابق مع مبدإ فصل الدين عن الدولة، و لكنه يضع الرقابة على رجال الدين و المؤسسة
الدينية بيد الدولة المدنية العلمانية. ومن
شاء أن يتحرى، فليتحرى بنفسه و لنفسه.
أدعو الجميع إلى التعقل و
الثقة بالقيادة الحكيمة. أدعو كل من وقف في وجه التيارات التي قتلت و نكهت و اغتصبت
بحكم عقله و فؤاده أن يتوقف ليسأل نفسه إن كان هناك في المرسوم التشريعي ما يثير من
الشك و الخوف. كما أسأل الجميع أن يقرؤوا نص المرسوم بنفسهم قبل الإنجرار بآراء الآخرين،
و لا أستثني رأيي من رأي الآخرين، و احترامي و تقديري لجميع المخلصين الصادقين.
No comments:
Post a Comment